
نفسي مُثقلةٌ بأثمارِها فهل من جائعٍ يجني ويأكل ويشبع ؟
أليس في الناس من صائمٍ رؤوف يُفطِر على نتاجي ويريحُني من أعباء خصبي وغزارتي ؟
نفسي طافحةٌ من خمرةِ الدهورِ فهل من ظامئٍ يسكبُ ويشربُ ويرتوي ؟
هو ذا رجلٌ واقف على قارعةِ الطريق يبسط نحو العابرين يداً مُفعمَةً بالجواهر ويناديهم قائلاً : ألا فارحموني وخذوا ما معي , أما الناس فيسيرون ولا يلتفتون . ألا ليته كان شحاذاً أعمى , يمدُّ يداً مرتعشة نحو العابرين , ويُرجعها فارغةً مُرتَعشة !
ليتَه كان مُقعَداً أعمى يمرُّ به الناس ولا يحفلون !
ألا ليتني كنت شجرةً لا تزهر ولا تثمر ..
فألمُ الخصب أمر من ألم العقم ,
وأوجاعُ ميسور لا يؤخذ منه أشد هولاً من قنوط فقير لا يرزق .
ليتني كنت بئراً جافَّة , والناسُ ترمي فيَّ الحجارةَ , فذلك أهونُ من أن أكونَ ينبوعَ ماءٍ حيَّاً , والظامئون يجتازونني ولا يستقون ..
ليتني كنت قَصَبةً مرضوضةً , تدوسها الأقدام , فذلك خير من أن أكون قيثارةً فضيَّة الأوتار في منزل ربُّه مبتورُ الأصابعِ , وأهله طرشان .
جبران خليل جبران
