Quantcast
Channel: عدلات
Viewing all articles
Browse latest Browse all 25684

ملف كامل عن النار من كتاب مباحث في العقيدة عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

$
0
0



ملف كامل عن النار من كتاب مباحث في العقيدة
عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

المطلب الأول: تعريف النار
المطلب الثاني: شبهة من قال إن النار لم تخلق بعد.
المطلب الثالث: أسماء النار.
المطلب الرابع:خزنة النار.
المطلب الخامس:أسماء خزنة النار.
المطلب السادس:صفات خزنة النار.
المطلب السابع: سعة النار وبعد قعرها.
المطلب الثامن: دركات النار.
المطلب التاسع: أبواب النار.
المطلب العاشر: وقود النار.
المطلب الحادي عشر: شدة حرها وعظم دخانها.
المطلب الثاني عشر: النار تتكلم وتبصر.
المطلب الثالث عشر: أشجار النار.
المطلب الرابع عشر: طعام أهل النار.
المطلب الخامس عشر: شراب أهل النار
المطلب السادس عشر: لباس أهل النار.
المطلب السابع عشر:هل يرى أحد النار قبل يوم القيامة؟.
المطلب الثامن عشر:تأثير النار في الدنيا.
المطلب التاسع عشر: النار خالدة لا تبيد.
المطلب العشرون: النار مسكن الكفار وهم مخلدون فيها.
المطلب الحادي والعشرون: الدعاة إلى النار.
المطلب الثاني العشرون: أعظم الذنوب لأصحاب النار.
المطلب الثالث والعشرون: أشخاص بأعيانهم في النار.
المطلب الرابع والعشرون: ذنوب متوعد عليها بالنار.
المطلب الخامس والعشرون: أهل النار.
المطلب السادس والعشرون: كثرة أهل النار.
المطلب السابع والعشرون: عظم خلق أهل النار.
المطلب الثامن والعشرون: أكثر من يدخل النار من النساء.
المطلب التاسع والعشرون: كيفية دخول أهل النار النار.
المطلب الثلاثون: كيف يتقي الإنسان النار.


المطلب الأول: تعريف النار


هي الدار التي أعدها الله للكافرين به،المتمردين على شرعه، المكذبين لرسله، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه، وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين.
وصفها الله تعالى بالخزي الأكبر، والخسران العظيم، قال تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)([915])، وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ)([916])، وقال تعالى: (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)([917]).
وكيف لا تكون النار كما ذكرها الله تعالى وفيها من العذاب والآلام والأحزان ما تعجز عن تسطيره الأقلام، وعن وصفه الألسن، وهي مع ذلك خالدة، وأهلها فيها خالدون، والحق تبارك وتعالى أطال في ذم أهل النار في النار: (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً)([918])، (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ)([919]).


المطلب الثاني: شبهة من قال إن النار لم تخلق بعد


قال شارح الطحاوية: (وأما شبهة من قال إنها لم تخلق بعد وهي أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة، وأن يهلك كل من فيها ويموت، لقوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)([920])، وقوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)([921]).
وجاء في الحديث: (لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ)([922]).
وجاء في الحديث: (مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ)([923]). قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً، ولم يكن لهذا الغراس معنى. قالوا: وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون: (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)([924]).
وقد أجاب العلماء عن هذه الشبهة وفندوها، وممن أجاب عليها شارح الطحاوية رحمه الله حيث قال: (فالجواب: إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أموراً أخرى ـ فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر. وأما احتجاجكم بقوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)([925])، فأثبتم سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن ـ نظير احتجاج إخوانكم بها على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما !! فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام)([926]).


المطلب الثالث: أسماء النار


أسماء النار التي ذكرت في القرآن ثمانية، أولها وأشهرها النار، وأما البقية فهي كالتالي:
(1)سعير:قال تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً)([927]) وقال تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ)([928]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال: (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ فَقَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟) فَقُلْنَا لا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا أَنْ تُخْبِرَنَا فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى: (هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلا يُزَادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا)، ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ: (هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلا يُزَادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا)، فَقَالَ أَصْحَابُهُ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَقَالَ: (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا ثُمَّ قَالَ فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنْ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)([929]).
(2) جهنم: قال تعالى: (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)([930])
وقال تعالى: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً)([931]).
وعن أبي هريرة ونافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنهما حدثاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)([932])، وهذا الاسم من أكثر الأسماء وروداً في الكتاب والسنة.
أما بعد قعرها فيدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (تَدْرُونَ مَا هَذَا؟) قَالَ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: (هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا)([933]).
(3) لظى: قال تعالى: (كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى)([934]))، اللظى: اللهب الخالص)([935]). وقال تعالى: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى)([936])، التظاء النار: التهابها،وتلظيها:تلهبها،وقوله تعالى: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى):أي تتوهج وتتوقد.
(4) سقر: قال تعالى: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ
* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)([937])، وقال تعالى: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)([938]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ مُشْرِكُوا قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ))([939]).
(السقر: البعد، وسقرته الشمس: لوحته وآلمت دماغه بحرِّها، ويوم مسمقر شديد الحر)([940]). وسميت سقر بذلك إما لبعد قعرها أو لشدة حرها، وكلا المعنيين ثابت لها.
(5) الهاوية: قال تعالى: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ)([941]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنْ الأَرْضِ فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ فَيَقُولُونَ دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا فَإِذَا قَالَ أَمَا أَتَاكُمْ قَالُوا ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الأَرْضِ فَيَقُولُونَ مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ)([942]). وسميت النار بالهاوية لبعد قعرها، فمن سقط يهوي فيها، ومعنى أمه هاوية: أي مستقره الهاوية.
(6) الحطمة: قال تعالى: (كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)([943]). قال البخاري رحمه الله : (سورة: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الحطمة: اسم النار مثل سقر ولظى)([944]).
وسميت النار بذلك: لأنها تحطم رأس وعظام كل من يدخلها.
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (..وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ)([945]).
(7) الجحيم: قال تعالى: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ)([946]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ..)([947]). وسميت النار بالجحيم لأنها نار عظيمة في مهواة، وهي نار توقد على نار، كما قال تعالى: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ)([948])، أي التي أوقد عليها.


المطلب الرابع: خزنة النار


يقوم على النار ملائكة خلقهم عظيم، وبأسهم شديد، لا يعصون الله الذي خلقهم، ويفعلون ما يؤمرون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)([949]).
وعدتهم تسعة عشر ملكاً، كما جاء ذلك صريحاً: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)([950]).
وقد افتتن بهذا العدد بعض الكفار، وقالوا هذا عدد يمكن التغلب عليه، ولكن الله تعالى أخبر أن هذا فتنة فقال (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا)([951]).
وهؤلاء التسعة عشر هم خزنة النار، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ)([952]).


المطلب الخامس: أسماء خزنة النار


أما كبير خزنة النار فهو مالك عليه السلام، جاء ذكره في الكتاب والسنة قال تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)([953])،(وَنَادَوْا يَا مَالِكُ): ومالك هو خازن النار.
أخرج البخاري عن صفوان بن يعلى عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)، أي يقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه، فإنهم كما قال تعالى: (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا)، وقال عز وجل: (وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا) فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك: (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: مكث ألف سنة ثم قال: إنكم ماكثون، رواه ابن أبي حاتم، أي لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها)([954]).
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ قُلْنَا: لا قَالَ: (لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي..)، ثم قال: (.. وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ..)([955]).
وأما أسماء الباقين فلم يثبت تسميتهم إلا أن الله سماهم الزبانية، قال تعالى:
(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ)([956]).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : فَزَبَرَهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ)، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ)([957]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (لَوْ فَعَلَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ)([958]).


المطلب السادس: صفات خزنة النار


ذكر الله تعالى من صفاتهم صفتين، وهاتان الصفتان شاملتان لجميع الصفات، وهما الغلظة والشدة، فخُلقهم غليظ، وخَلْقُهم شديد، فكل ما يمكن تصوره من الغلظة والشدة فهي فيهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)([959]).
وقد ذكر الله جل جلاله بعض المواقف التي تبين شيئاً من غلظتهم مع أصحاب النار، فزيادة على عذاب الكافرين في النار فإنهم يعذبونهم عذاباً نفسياً بالتوبيخ والتعنيف والتبكيت، فيلومونهم على كفرهم بالله وإعراضهم عن المرسلين، ويسألونهم سؤال توبيخ وتعنيف عن سبب هذا الكفر والإعراض، ويسألونهم هذا السؤال في ثلاثة مواطن؛ عند فتح أبواب جهنم لإدخالهم فيها، وعند دخولهم النار، وعند سؤال أهل النار خزنة جهنم أن يشفعوا لهم عند الله في تخفيف العذاب:
الموطن الأول: قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)([960]).
الموطن الثاني: قال تعالى: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
* قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ)([961]).
الموطن الثالث: قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ)([962]).


المطلب السابع: سعة النار وبعد قعرها


النار واسعة بعيد قعرها، ومما يؤكد ذلك:
(1) أن الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى، ثم إن الواحد منهم يعظم خلقه حتى إن ضرسه يكون مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ)([963]) ومع ذلك تستوعب الكفرة والمجرمين من بداية الدنيا إلى نهايتها، وتطلب المزيد: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)([964]).
جاء في الحديث الصحيح في احتجاج الجنة والنار، أن الله يقول للنار: (إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا)([965]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَزَالُ جَهَنَّمُ (تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ)([966]).
(2) يدل على بعد قعرها أن الحجر إذا ألقي من أعلاها احتاج إلى سنوات
حتى يصل إلى قعرها، ويدل على ذلك ما جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (تَدْرُونَ مَا هَذَا؟) قَالَ: قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا)([967]).
وعن الحسن قال: قال عتبة بن غزوان على منبرنا هذا منبر البصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا وَمَا تُفْضِي إِلَى قَرَارِهَا)([968]).
(3) كثرة العدد الذين يأتون بالنار من الملائكة يوم القيامة، فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا)([969]).
(4) أن الشمس والقمر يكونان ثورين مكورين في النار، ففي (مشكل الآثار) للطحاوي عن سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة)([970])، ورواه البيهقي في كتاب (البعث والنشور)، وكذا البزار والإسماعيلي والخطابي بإسناد صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجه في صحيحه مختصراً بلفظ: (الشمس والقمر مكوران في النار)([971]).
فتخيل أيها القارىء هذا العدد الكبير الذي يقود هذا المخلوق العظيم، ولا تسأل عن قوة الملائكة وشدتهم، فذلك لا يعلمه إلا خالقهم سبحانه.


المطلب الثامن: دركات النار


النار تتفاوت في شدة حرها، وما أعده الله فيها من العذاب لأهلها، فليست على درجة واحدة، بل هي دركات، كما قال تعالى عن المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ)([972]). والدرك يقابل الدرج، فالدرج لكل ما علا، والدرك لكل ما سفل، فيقال للجنة درجات، وللنار دركات.
وقد ذكر بعض أهل العلم تسمية دركات النار فقال: (الأولى جهنم، والثانية لظى، والثالثة الحطمة، والرابعة السعير، والخامسة سقر، والسادسة الجحيم، والسابعة الهاوية) والصواب أن هذه أسماء للنار، والله أعلم.
وتختلف دركات أهل النار بحسب أعمالهم وسيئاتهم.
ويدل على أن الناس تختلف درجاتهم بحسب أعمالهم عموم قوله تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)([973])، وفي سورة الأنعام ذكر الله أهل الجنة والنار، ثم قال: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)([974])، وقال سبحانه: (أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)([975]).
ومما يدل عليه أيضاً حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى
حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ)([976]).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ وَمِنْهُمْ فِي النَّارِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ اغْتُمِرَ فِي النَّارِ إِلَى أَرْنَبَتِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ اغْتُمِرَ فِي النَّارِ) قَالَ عَفَّانُ: مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ قَدْ اغْتُمِرَ ([977]).
وقد ذكر الله لنا أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)([978]).
وأما أهون أهل النار عذاباً فهو رجل ينتعل نعلين يغلي منهما دماغه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ)([979]).
وهذا الرجل هو عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ)([980]). ولولا كرامة النبي صلى الله عليه وسلم لكان في الدرك الأسفل من النار.
فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : (مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ، قَالَ: (هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ)([981])،وهاتان النعلان عبارة عن جمرتين؛ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ)([982]).


المطلب التاسع: أبواب النار


أخبرنا ربنا سبحانه أن النار سبعة أبواب، قال تعالى: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)([983]): أي أن لكل باب مجموعة من أتباع إبليس يدخلون معه بحسب عملهم، ثم يستقرون في النار.
وقد جاء أن الأبواب تفتح حين يرد الكفار على النار فيدخلونها خالدين: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)([984]).
وهذه الأبواب تغلق على المجرمين، فلا مجال لخروجهم منها بعد دخولهم، فالأبواب مؤصدة عليهم، قال تعالى: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ)([985])، وقال تعالى: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)([986])، فكأن الأبواب أطبقت ثم شدت بأوتاد من حديد.
وقد تفتح أبواب النار وتغلق قبل يوم القيامة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أبواب النار تغلق في شهر رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ)([987]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ..)([988]).
دلت هذه الأحاديث بمفهومها أنها في غير رمضان مفتحة، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المفهوم في حديث آخر وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ)([989]).
وأما في غير رمضان فهي مغلقة على أصحابها، كما قال تعالى: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)([990])، وقال تعالى: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ)([991]).


المطلب العاشر: وقود النار


الأحجار والفجرة والكفار هم وقود النار، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)([992]).
وقال تعالى: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)([993]).
والمراد بالناس الذين توقد النار بهم الكفرة والمشركون، وأما نوع الحجارة التي تكون للنار وقوداً فالله أعلم بحقيقتها،وقد ذهب بعض السلف إلى أن هذه الحجارة من كبريت، قال ابن مسعود رضي الله عنه : (هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين)رواه ابن جرير وهذا لفظه، وابن أبي حاتم، والحاكم في مستدركه،وقال: على شرط الشيخين، وقال بهذا القول ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وابن جريج([994]).
وقال ابن رجب رحمه الله : (وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار، ويقال:إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها: سرعة الإيقاد، ونتن الرائحة،وكثرة الدخان،وشدة الالتصاق بالأبدان،وقوة حرّها إذا حميت)([995])
ومما توقد به النار الآلهة التي كانت تعبد من دون الله: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا
خَالِدُونَ)([996])، ومعنى حصبها: أي وقودها وحطبها.
المطلب الحادي عشر: شدة حرها وعظم دخانها:
الناس عادة في الدنيا يتبردون من شدة الكرب بثلاثة أشياء: الماء، والهواء، والظل، وهذه الأشياء لا تغني عن أهل النار شيئاً، كما أخبر الله عز وجل عن ذلك بقوله: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ)([997]).
فهواء جهنم السموم، وهو الريح الحارة الشديدة، وماؤها الحميم الذي قد اشتد حره، وظلها اليحموم وهو قطعُ الدخان، وقد جاء وصف هذا الظل في آية أخرى في قوله تعالى: (انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنْ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ)([998]) أي سود.
وقد جاءت أوصاف النار بما تفزع له النفوس: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً)([999])
وقال تعالى: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ)([1000]).
إنها تأكل كل شيء،وتدمر كل شيء،ولا تبقي ولا تذر،تخرق الجلود، وتصل إلى العظام، وتصهر ما في البطون، وتطلع على الأفئدة.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن: (نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ)، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ: (فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا)([1001]).
وهذه النار لا يخبو أوارها مع تطاول الزمن ومرور الأيام: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً)([1002])،(كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً)([1003])، ولذلك لا يجد الكفار طعم الراحة ولا يخفف عنهم العذاب مهما طال العذاب: (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ)([1004]).
والنار تسعر كل يوم كما روى مسلم عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ..)([1005]).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)([1006]).
وبلغ من حرارتها أنها اشتكت من حرارة نفسها لربها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (.. اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ)([1007])، وإذا كان أهون أهلها عذاباً من يوضع تحت قدميه جمرة فيغلي منها دماغه، فما بالك بأشدهم عذاباً.


المطلب الثاني عشر: النار تتكلم وتبصر


المطَّلع على نصوص الكتاب والسنة التي جاء بها وصف النار يلاحظ أنها مخلوق يبصر ويتكلم ويشتكي، وها هي تطلق الأصوات المخيفة إذا أقبل إليها أهلها من شدة غيظها وحنقها على هؤلاء الكفرة والمجرمين، قال تعالى: (إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)([1008])، وقوله تعالى: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد)([1009]).
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَزَالُ جَهَنَّمُ (تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ)([1010]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (..اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ)([1011]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ)([1012])، وهذا يدل على أن لها لساناً تتكلم به.
وأما رؤيتها للناس فيقول الله تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ
بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)([1013])، فقوله (رَأَتْهُم): يدل أنها تبصر، وقوله: (سَمِعُوا لَهَا) يدل أنها تتكلم، وقوله: (تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)يدل أنها تغضب.
وأيضاً قوله تعالى: (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)([1014])، وقوله تعالى: (إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)([1015]).
فهي تشهق وتزفر من غيظها على الكافرين، بل تكاد تتميز: أي تتقطع من شدة غضبها عليهم.


المطلب الثالث عشر: أشجار النار


في النار أشجار، ومن هذه الأشجار شجرة الزقوم، وهي شجرة لا نفع فيها، فهي لا ظل لها ينعمون به،ومنظرها بشع فطلعها كأنه رؤوس الشياطين، وما الظن بشجرة تنبت في أصل الجحيم، وإنما القصد من وضع هذه الشجرة هو تعذيبهم بها فيأكلون من ثمارها ظناً منهم أنه ينفعهم، فما يزيدهم إلا عذابا، فإذا أكلوا بدأ يغلي في بطونهم، فيفزعون يبحثون عن الماء ليطفيء الغليان الذي في بطونهم فيشربون من ماء الحميم يكرعون منه كرعاً فيقطع أمعاءهم ويتضاعف العذاب عليهم.
قال تعالى: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ)([1016])،وقال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ)([1017]).
وقال تعالى: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ)([1018]).
وهي الشجرة الملعونة في القرآن كما في قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً)([1019]).
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، قال: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) هي شجرة الزقوم)([1020]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ)([1021]) فطعمها علقم، فإذا دخل الجوف أخذ يغلي، وصدق الله: (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ)، إنها حقاً فتنة وأي فتنة.





المصدر (منتدى عدلات) https://vb.3dlat.com




Viewing all articles
Browse latest Browse all 25684

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>